واضح إننا لسه مكتشفين إن العالم غير عادل وإن الدول بتكيل بمكيالين وإن العالم مليان عنصرية وغم أزرق … والاكتشاف الخطير “الجديد” ده ارتبط بيه برضه موجة “جديدة” برضه من الـ”شكايه” … العالم هو سبب تخلفنا، العالم هو سبب الخراب اللي احنا فيه، والعالم هو سبب خسارتنا في نهائي أفريقيا … وطبعاً كل اللي فات ممكن يكون صحيح جداً، وبالذات خسارتنا في النهائي، لكن السؤال الأهم احنا عملنا إيه جنب الشكاية؟
غدر الصحاب
من تقريباً 11 سنة، كنت باخد كورس إنجلش في بيرلتز المهندسين، والمدرس طلب في وسط الحصة إن كل واحد يتكلم بالعنجليزي عن أي موضوع يخص مصر … كانت أجواء ثورة يناير لسه موجودة في الجو حوالينا، وكلنا كنا متحمسين نصلح ونعمّر … اللي من زمايلي اتكلم عن التعليم، واللي اتكلم عن الديمقراطية، ولما جه دوري اخترت اتكلم عن الأغاني الشعبية.
مش فاكر قلتها ازاي بالانجليزي، بس اللي قلته إن الأغاني الشعبية بتعكس بشكل كبير الحالة العامة للقطاع الأكبر في البلد … كل واحد بيتكلم عن زاوية في مصر لكن ماحدش فكّر إن النهضة الحقيقية مش هاتحصل غير لما نبطل نلوم غيرنا على مشاكلنا، ونبتدي ناخد أمور حياتنا بجدية ومسؤولية كاملة.
طبعاً المدرس وزمايلي بان على وشهم: إنت كبرت الموضوع كده ليه يا اسطى؟ دي أغاني ميكروباصات … الحقيقة أنا كان لافت نظري حاجه واضحة أوي في تيار الأغاني الشعبية اللي ليها شعبية أكتر من شعبية غيرها، وهي إنها بتركز على إن الواحد يلوم غيره على مشاكله … غدر الصحاب، غدر الزمان، غدر الأحبة، الخ الخ … طب وبعدين يا فنان؟ عملت ايه؟
ولا حاجه
أدينا بنشتكي، وهانشتكي ونفضل نشتكي، وربنا إن شاء الله هايجيب لنا حقنا … طب عملت حاجه غير الشكوى؟ مااظنش … الموضوع فيه متعة وراحة نفسية وجسدية كبيرة لما تعلق مشاكلك على شماعة، أي شماعة أو أول شماعة تلاقيها في سكتك، وبكده تكون الشماعة دي سبب كل مشاكلك … ولو الشماعة دي اتغيرت، حياتك هاتبقى حاجه تانية خالص … هو الشماعة بتتغير؟
الـ”ولا حاجه” مريحة نفسياً أوي، انت مش محتاج تشغل بالك بالتفكير في حلول لمشاكلك، لأ … الشماعة هي السبب وهي اللي لازم تتغير … طب هو انت ليك تحكّم على الشماعة؟ ليك سلطة على سلوك الشماميع؟ لأ … بس هما اللي لازم يتغيروا، مش أنا … الـ”ولا حاجه” مريحة جسدياً كمان، لأنك مش محتاج تبذل مجهود في السعي أو التغيير، انت بس تقعد على، لا مؤاخذة، الكرسي، وتستنى غيرك يتغير عشان حياتك انت تبقى أحسن.
العالم قاسي
دي حقيقة من الحقايق اللي بنعيشها كل يوم، الدنيا دار ابتلاء، والعالم كله قسوة … هاتلاقي ناس مالهاش غرض في دنيتها غير أذيتك، متعتهم في الحياة إنه يشوفك بتتألم … دول موجودين في كل حته وفي كل وقت … بس اللي يفرقك انت عن حد تاني، هو ازاي تتصرف … هاتاخد زمام أمورك؟ وللا نشتكي زي بقيت خلق الله ونلوم غيرنا طول الوقت؟ … المدير، زمايل العمل، القرايب، العيلة، وهلمّ جراً.
كل الناس عندها مشاكل، 24/7 طول الوقت طول الأسبوع خط المشاكل مفتوح … بس اللي يفرق حد عن التاني هو إنه ازاي بيستقبلها وبيتعامل معاها … الشاطر اللي يفكر ويتحرك في حدود اللي بيتحكم فيه، ومايستناش اللي خارج نطاق سلطته إنه هو اللي يتغير … التغيير لازم ينبع منك إنت، إنت اللي بتتحكم في نفسك وحياتك … مش منطقي أبداً إني أطلب من الناس طول الوقت هي اللي تتغير، وأنا ماليش أصلاً أي سلطة عليهم … دي تبقى شكاية فارغة، لا الناس هاتتغير، ولا انت حليت مشاكلك … سهل قوي إنك تلوم غيرك طول الوقت، بس اللي فعلاً صعب هو انك تكون التغيير المطلوب … تغيير في طريقة تفكيرك وتخطيطك وتنفيذك.
منه لله
ما زلت أذكر الحوار ده اللي دار بيني وبين زميل سابق، كان ربنا مبتلينا بمدير، وللا بلاش، منه لله بقى … بسببه، ناس من زمايلنا مشيوا قبل ما يلاقوا شغل تاني، لأن ببساطة راحتك النفسية ليها تمن غالي جداً … وأنا كنت نويت أمشي أنا كمان وإن شاء الله أقعد في البيت … ولو رجع بيا الزمن كنت مشيت أسرع من كده … ع الأقل كنا بنفكر في حل مشاكلنا بإيدينا وفي مجال سلطتنا، يعني بدل ما نستنى الباشا المدير هو اللي يتغير … وعلشان أمشي، ابتديت احلل وافكر واخطط هاعيش أنا وأسرتي ازاي، وهاقعد قد ايه من غير شغل، والسوق محتاج ايه عشان اركز عليه الفترة الجاية، والخطوة الجاية ايه، الخ.
زميل لينا كان كتير الشكوى من الوضع ده، كلنا كنا الصراحة بنشتكي بس كنا بنتحرك، كل واحد في الطريق اللي اختاره … إلا زميلنا ده، طول الوقت شكايه ومافيش حاجه على الأرض … اتكلم معايا مره في نفس ذات الموضوع، فسألته:
- طب هاتعمل ايه؟
- ربنا يبعت … أنا ما اقدرش اعمل حاجه ، ورايا عيال باصرف عليهم ومسؤوليات و…
- دورت على شغل في حته تانية؟
- عاوزين تخصصات وخبرات تانية
- جربت تذاكر التخصصات دي؟
- للأسف ماعنديش وقت خالص، بعد المواصلات ووقت الشغل يدوب أروّح أنام
- بتتفرج على ماتشات أو بتقعد ع القهوة؟
- قليل، ماتشين كل أسبوع وللا حاجه، وباقابل اصحابي افك عن نفسي شوية كل جمعة وسبت
- طيب لو خليتها ماتش واحد ويوم واحد مع اصحابك؟
- وهو كده يعني هايكفي عشان اذاكر أو أعمل أي حاجه؟!
- لو عملت كده كل اسبوع، أكيد هاتجيب نتيجة
- لا يا عم، مش كفاية خالص … وكمان عاوزه مصاريف وبتاع
- بتشرب سجاير قد إيه؟
- علبة واحدة بس في اليوم، باطلع فيها زهقي
- وليه دايماً بتشتري الجزم الغالية دي؟
- عشان ده الاستايل بتاعي ومنظري قدام الناس وده اللي اتعودت عليه
- كام كلفك الكاسيت الجديد اللي ركبته في عربيتك؟
- انت عاوز ايه؟ أنا جاي افضفض لك شوية عشان تخفف عني، ناقص تقول إن أنا المشكلة
ومن ساعتها وهو بطل يتكلم معايا، وبقى بيتكلم بس مع الناس اللي مافيش في بقها غير: “منه لله … ربنا ينتقم منه” … جلسات مساطب من الولولة الحريمي والشكاية اللي مالهاش آخر، وعلى الأرض مافيش تغيير أو نتايج … الناس بطبيعتها بتكره التغيير، لكن في نفس الوقت نفسهم إن غيرهم هو اللي يتغير، لأنه هو اللي غلط مش أنا … لكن العبرة مش مين اللي غلط، العبرة ايه اللي اقدر اتحكم فيه، نفسي وللا غيري؟! … الإجابة معروفة بس النفس!