النهارده من 6 سنين، وبالتحديد يوم 25 مارس 2016، جيت أنا وأسرتي على هولندا … وابتدينا فصل جديد في حياتنا، أيام فوق، وأيام تحت … فرح كتير وحزن كتير، بس الأكيد وجودنا مع بعض هوّن كتير … بس الحقيقة إن الرحلة ابتدت قبل كده بكتير.

ثورة يناير

بعد ثورة يناير، كان عندي أفكار كتير للسفر، بس ماكنش فيه حاجه جد … كنت بعمل بحث كتير عن الدول المختلفة والفروقات ما بينهم، بريطانيا، فرنسا، أستراليا، كندا، ألمانيا، أمريكا، مدن وولايات بالتحديد فيها زي سياتل ولوس أنجليس، وهولندا طبعاً … والخليج بره حساباتي خالص لأن ماعنديش استعداد اعيش مواطن درجة تانية.

بس ماكانشي فيه تحركات جدية غير جس نبض، ومعرفة عامة بالاختلافات بين الدول والقوانين والشركات والثقافات والمزايا والعيوب … بس كان دايماً بيجي على رأس الدول اللي ببحث فيها هولندا وبريطانيا … هولندا عشان قوانين العمل فيها سهلة والإنجليزي مقبول فيها بشكل كبير وبالتالي الإندماج هايكون أسهل، وبريطانيا وبالتحديد لندن عشان مركز مالي عالمي والإنجليزي هي اللغة الرسمية … أمريكا صعب تروحها بعقد عمل، واختلاف التايم زون عن أهالينا في مصر كان برضه عائق كبير … وباقي الدول التانية كان العيب الرئيسي هو اعتزازهم الزايد بلغتهم وإن كان ده بيتغير مع الأجيال الجديدة.

ثورة سونيا

بعد اللي حصل في 2013، ملامح الحاضر والمستقبل بقت واضحة بالنسبة لي … الحمد لله ربنا إدّى الواحد بصيرة واستشراق وفراسة … كانت الصورة شديدة القتامة حتى مع لبس كل أنواع النظارات البمبي … كان باين إن فيه نظام جاي إيده طرشه، مش شايف إلا نفسه، بيعتبر المواطنين مستخدمين، أو زباين بيحاول على آخره يكسب من وراهم على قد ما يقدر … وبيتعامل مع البلد على إنها تكيه، يبيع ويشتري فيها وكإنها ورث من أبوه، مع إحساسه العجيب إن ربّنا اصطفاه إنّه يكون المنقذ المختار.

كانت العلامات واضحة بدون أي تحيز بأي شكل، التاريخ والأرقام والواقع بيأكدّوا ده … ومع انغلاق آفاق التحاور والإصلاح، مع تعمّد تقسيم الشعب الواحد وتخوين كل مخالف، مع استباحة الدم والأموال والأرض، واللهث وراء إرضاء الأعداء وتغريب أهل البلد … مع كل ده كان لازم أتحرك … زوجتي قالت لي إن دي ماعدتشي مصر بلدنا، واتفقنا إن الخروج منها هايكون أهون من القُعاد فيها.

من 2013 حتى 2016، كانت كل خطوة باخدها في شغلي وكارييكي وحياتي كانت بتخدم الهدف ده … ركزت على تنمية لغتي الإنجليزية، وكمان ذاكرت شوية هولندي على ألماني … درست بشكل مستفيض أكتر القوانين وأسواق العمل في دول مختلفة، أوضاع الأجانب والمهاجرين وقوانين الجنسية والاندماج … دوّرت إيه المطلوب مني عشان أعرف أجيب عقد عمل … اشتغلت كتير على بروفايلي وايه الناقص أذاكره واتعلمه، وركّزت على الشغل ريموتلي مع عملاء من الدول اللي مستهدفها … منهم شركة هولندية فضلت شغّال معاهم أكتر من 3 سنين بأجر ساعة أقل من سعر السوق، لكن حافظت على العلاقة دي عشان هدف السفر … والحمد لله بعد معافرة كتيرة ورحلة طويلة وتعب وسهر، ربنا كرمني إنّ الشركة الهولندية دي تبعت لي عقد عمل وانتقل للعمل من مقرهم في أمستردام.

الحنين للوطن

من أصعب المشاعر اللي بتيجي لأي حد بيتغرّب هي الحنين للوطن، بتفارق اصحابك وقرايبك وأحبابك، بتسيب وراك تاريخ وذكريات وأماكن … بتفضل تفكّر في بلدك ومشغول بيها، وناعي همّها، وبتدوّر على أخبارها طول الوقت، ومشغول على أهلك واصحابك هناك، حتى لو البلد نفسها بتلفظك وبكل الطرق عاوزه تكرّهك فيها. بلادي وإن جارتْ عليّ عزيزة … وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام.

أول فترة لينا في هولندا كانت صعبة، أول سنة هي أصعب سنة … مش عارف كتير في البلد، صدمات حضاريه وثقافية وتباين كبير في كل حاجه … بس الحمد لله مع الصبر ودعم زوجتي، الحياة استمرت وعرفنا نتخطّى صعاب كتيرة … وبقى مع كل سفر لينا لمصر، ناخد جرعة حنين ولقاح ضد العودة … للأسف مع كل زيارة، الأوضاع تفكرنا كويس إحنا سبناها ليه، وإن فعلاً ده كان القرار الصحيح.

للأسف كل سنة بتبقى أسوأ من اللي قبلها، غلاء فاحش مع جودة في منتهى السوء … بنحاول نمنع نفسنا نعمل مقارنة بين هولندا ومصر، بس ازاي واحنا بندفع في مصر قد اللي بندفعه في هولندا؟! … من غير ما أحسب أي فسح أو زيارات أو أي تكاليف زيادة، نفس اللي بندفعه في هولندا باليورو، بندفع قيمته بالجنيه في مصر، لكن بجودة أسوأ كتير وخدمات تكاد تكون معدومة … ربنا يكون في عون الناس على اللي هما فيه.

اهرب يا وِلد

كان صعب عليا اكتب البوست ده، لكن عشان النهارده 25 مارس فكّرتني برحلة الهروب، وكمان عشان حركة تعويم الدولار اللي حصلت … فقلت أكتب حاجه يمكن تلهم حد ياخد خطوات ايجابية، في أي اتجاه … حياتك ومستقبلك رهن قراراتك انت، وانت لوحدك اللي بتتحكم فيها، وانت لوحدك اللي هاتدفع التمن … وزوّد عليهم أسرتك وأولادك لو كان عندك … هو ده اللي في نطاق سلطتك … وبجانب الدعاء طبعاً، لازم تاخد بالأسباب.

نضحك ع اللي بيحصل، نعيط ونصرخ، نشتكي وندعي، نرفع صوتنا أو نخبّي في سرّنا … ومع إن مالناش يد في اللي بيحصل، ومافيش طريقة نغيره … لكن الحاجة الوحيدة اللي فاضله في منطقة تحكّمنا هي إزاي نتصرف ونخطط ونتحرك … مشوار الألف ميل بيبتدي بخطوة، وخطوة ورا خطوة أكيد هاتوصل … ولكل مجتهد نصيب.